الشرع يحذر: المنطقة العازلة الإسرائيلية تهدد استقرار سوريا

 

الشرع يحذر: المنطقة العازلة الإسرائيلية تهدد استقرار سوريا
الرئيس السوري أحمد الشرع خلال إحدى جلسات اليوم الأول من "منتدى الدوحة

الشرع يحذر من مساعي إسرائيل لإقامة منطقة عازلة جنوب سوريا، ويؤكد التزام دمشق باتفاق 1974 ودعم دولي لانسحاب إسرائيلي كامل.

الدوحة – خاص

في خطاب ناري يعكس حساسية اللحظة الإقليمية وتعقيدات المشهد الأمني، حذّر الرئيس السوري أحمد الشرع من أنّ محاولات إسرائيل إنشاء منطقة عازلة في جنوب سوريا تمثل “موقعاً خطيراً” قد يدفع المنطقة نحو توتر غير مسبوق. وجاءت تصريحات الشرع خلال جلسة حوارية في منتدى الدوحة الدولي، في مقابلة مع الإعلامية كريستيان أمانبور من CNN، حيث شدّد على أنّ سوريا ملتزمة تماماً باتفاق فضّ الاشتباك لعام 1974، وأنّ المجتمع الدولي يساند موقف دمشق الداعي إلى انسحاب إسرائيل إلى خطوط ما قبل 8 ديسمبر 2024، تاريخ سقوط النظام السابق.

وقال الشرع إن إسرائيل تحاول "تصدير أزماتها الداخلية" إلى الجوار السوري، متهمًا تل أبيب بالسعي للهروب من مسؤوليات ما وصفه بـ"المجازر في غزة" عبر خلق توترات جديدة على الجبهة الشمالية. وكشف أن سوريا تعرضت منذ التحرير لأكثر من ألف غارة جوية وقرابة 400 توغّل بري. وأضاف بصوت حاد: “سوريا هي التي تتعرض للهجمات... فمن الأَولى أن يطالب بمنطقة عازلة؟ ومن الأَولى أن ينسحب؟”.




اتفاق 1974… أحد أطول التفاهمات صموداً تحت خطر الانهيار

أشار الشرع إلى أنّ محاولات إسرائيل تعديل قواعد الاشتباك تهدد واحداً من أقدم الاتفاقيات العسكرية المستقرة في الشرق الأوسط. فقد حافظ اتفاق فضّ الاشتباك لعام 1974 على هدوء نسبي بين دمشق وتل أبيب لعقود، ووفّر منطقة فاصلة كانت تحت رقابة الأمم المتحدة.

لكن خلال السنوات الأخيرة، ومع سقوط نظام الأسد وتبدّل موازين القوى، استغلت إسرائيل حالة الاضطراب لتوسيع وجودها داخل الأراضي السورية، ولا سيما في محيط جبل الشيخ ومناطق الريف الجنوبي. وقد تسببت آخر الغارات الإسرائيلية في نوفمبر الماضي بمقتل 13 شخصاً في بلدة بيت جن، وهو ما وصفته دمشق بـ"جريمة حرب"، بينما قالت إسرائيل إنها استهدفت "عناصر إرهابية".

وأكد الشرع أن “العبث باتفاق 1974 لا يحظى فقط بمعارضة دمشق، بل برفض دولي واسع”، مذكّراً بأنّ مجلس الأمن أبدى قلقه من خروقات إسرائيل المتكررة، وأن أي تعديل في الاتفاق يجب أن يحفظ مصالح سوريا وسيادتها أولاً.


مفاوضات غير معلنة برعاية أمريكية

في مفاجأة سياسية، كشف الشرع عن وجود مفاوضات مباشرة مع إسرائيل تجري برعاية الولايات المتحدة، قائلاً: “هناك مفاوضات الآن جارية... والولايات المتحدة منخرطة معنا لمعالجة المخاوف الأمنية للطرفين”.

وأوضح الرئيس السوري أن الهدف هو إعادة صياغة ترتيبات أمنية تمنع الاحتكاك العسكري، مشيرًا إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سبق أن أعلن دعمه لانسحاب إسرائيلي كامل، وقال حينها: “من المهم أن تحافظ إسرائيل على حوار صادق مع سوريا، وألا يحدث شيء يعرقل مسارها نحو الازدهار”.

لكن الشرع رفض بشكل قاطع فكرة "المنطقة العازلة" التي تطالب بها إسرائيل وتمتد — وفق مقترحات إسرائيلية — من محيط دمشق إلى جبل الشيخ، واصفاً إياها بـ"غير الواقعية".


عودة سوريا إلى الساحة الدولية… وانفراج دبلوماسي ملحوظ

أكد الشرع أن سوريا استعادت جزءاً كبيراً من ثقلها الإقليمي بعد التحرير، وأن “العالم بدأ يفتح أبوابه مجدداً أمام سوريا باعتبارها دولة محورية”. وأشار إلى زيارة تاريخية قام بها وفد من مجلس الأمن إلى دمشق، هي الأولى من نوعها منذ سنوات، إضافة إلى بدء دول عدة رفع مستوى علاقاتها الدبلوماسية تدريجياً.

كما تحدث الشرع عن جهود لرفع العقوبات الدولية، وعلى رأسها "قانون قيصر"، الذي جرى تخفيفه مؤقتاً لمدة 180 يوماً، في خطوة تُعد سابقة منذ فرضه. وقال إنه التقى أعضاء في الكونغرس الأمريكي لبحث "رفع كامل للعقوبات"، في إشارة إلى تحوّل تدريجي في الموقف الدولي من دمشق الجديدة.

وأوضح الشرع أنّ دولاً مثل قطر وتركيا عبّرت بوضوح عن دعمها لسوريا الجديدة، بينما دعت الأمم المتحدة إسرائيل إلى الانسحاب الفوري من المنطقة العازلة.


إعادة بناء الدولة… لا محاصصة ولا طائفية

على المستوى الداخلي، يقدّم الشرع رؤية جديدة لإعادة بناء الدولة السورية تعتمد على الكفاءة والمؤسسات، لا على المحاصصة الطائفية. وقال: “سوريا ليست مجموعة طوائف... سوريا دولة وشعب مثقف وواع”.

وأشار إلى أنّ الحكومة الحالية مشكلة وفق معايير الكفاءة، وأن العمل جارٍ على صياغة دستور جديد يُطرح للاستفتاء قبل الانتخابات الرئاسية المقررة بعد أربع سنوات. أما الانتخابات البرلمانية التي جرت في أكتوبر الماضي فكانت انتقالية، رغم الجدل حول تمثيل النساء والأقليات.

وأكد أن المحاسبة الداخلية وتعزيز سيادة القانون هما حجر الزاوية في بناء سوريا جديدة قادرة على الخروج من ركام الحرب.


هل يقود التوسع الإسرائيلي إلى اشتعال جبهة الجنوب؟

تحذيرات الشرع تُعيد فتح ملف العلاقة بين دمشق وتل أبيب، خاصة مع استمرار الغارات الإسرائيلية ورفض سوريا لأي وجود عسكري أجنبي على أراضيها. ويحذر خبراء إقليميون من أن استمرار التوغلات قد يشعل جبهة جديدة، خصوصاً مع تزايد الدعم الدولي لدمشق بعد استعادة مؤسساتها.

ويؤكد باحثون في مركز الدوحة للدراسات أن المفاوضات الحالية قد تنجح في إعادة ضبط قواعد الاشتباك، لكن أي إصرار إسرائيلي على إقامة منطقة عازلة سيقود إلى “توتر لا يمكن التنبؤ بنتائجه”.


خاتمة

رسالة الشرع جاءت واضحة وصارمة: سوريا لن تقبل بمنطقة عازلة، ولن تتخلى عن سيادتها، والمجتمع الدولي يدعم هذا الموقف. وبينما تلوح مفاوضات خلف الكواليس، تبقى المرحلة المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كانت الجبهة الجنوبية ستتجه نحو تهدئة أو تصعيد.

سوريا تعود تدريجياً، وبقوة، إلى موقعها كفاعل أساسي في الشرق الأوسط… وما يجري اليوم قد يرسم ملامح معادلة جديدة في المنطقة.

HASSAN BENYOUB
بواسطة : HASSAN BENYOUB
Maghrebcom مدونة إخبارية شاملة ترصد أبرز المستجدات في العالم العربي، المغرب العربي، الشرق الأوسط وإفريقيا، إضافة إلى أخبار التقنية، الرياضة، المشاهير والمرأة.
تعليقات