اتهامات متجددة لجريدة لوموند الفرنسية بترويج سرديات استخباراتية معادية للمغرب، عبر مقال مثير للجدل يستند إلى معطيات غير موثوقة ويغلف الدعاية بلبوس الصحافة.
لوموند تعود إلى الأسطوانة نفسها
مرة أخرى، وكما بات مألوفاً في تغطياتها المتعلقة بالمغرب، تنخرط جريدة Le Monde الفرنسية في مسار لا يمتّ بصلة إلى قواعد التحقيق الصحفي المهني، وتختار بدل ذلك الانزلاق نحو البروباغندا الاستخباراتية المغلّفة بلغة إعلامية ناعمة.
فبتاريخ 12 دجنبر 2025، نشرت الصحيفة مقالاً قدّمته على أنه عمل استقصائي، بينما لا يعدو كونه إعادة تدوير لمعطيات مشكوك في مصداقيتها، مصدرها حسابات ومنصات رقمية معروفة بترويج أخبار مضللة، أبرزها ما يُعرف باسم “جبروت”، دون أي تحقق مستقل أو مساءلة مهنية للمصادر.
أسماء ثابتة… وخط تحريري واحد
اللافت في هذا النوع من المقالات ليس مضمونها فقط، بل تكرار الأسماء نفسها التي تقف خلفها. ويتعلق الأمر بكل من:
-
Alexandre Aublanc
-
Frédéric Bobin
-
Damien Leloup
ثلاثة صحفيين دأبوا، خلال السنوات الأخيرة، على توقيع مواد تُعيد إنتاج الروايات ذاتها حول المغرب، قائمة على فرضيات “صراع الأجهزة”، و”تفكك الدولة”، و”انقسام مراكز القرار”، دون تقديم أدلة ملموسة أو معطيات موثقة.
هذا التكرار لا يمكن فصله عن خط تحريري موجّه، يُظهر إصراراً على تقديم المغرب كدولة تعيش توتراً داخلياً دائماً، في تجاهل تام للمعطيات الواقعية والتطورات المؤسساتية التي يعرفها البلد.
من حادثة سيبرانية إلى حملة تشويه
المقال الأخير استغل حادثة قرصنة سيبرانية، كان يفترض أن تُعالج باعتبارها جريمة رقمية خطيرة، ليحوّلها إلى منصة لترويج تخمينات خطيرة تمس مؤسسات سيادية، وعلى رأسها:
-
المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DGST)
-
المديرية العامة للدراسات والمستندات (DGED)
الأخطر من ذلك، أن المقال أعاد بعث مزاعم عبثية سبق تفنيدها، تتعلق بما سُمّي زوراً بـ“محاولة تسميم ولي العهد”، في انزلاق غير مسبوق من الصحافة إلى التشهير السياسي الممنهج.
تبييض الجريمة بدل مساءلة الجناة
بدل التركيز على الفاعلين الحقيقيين في الجريمة السيبرانية، وظروفها وخلفياتها التقنية والقانونية، اختارت لوموند توجيه سهامها نحو الدولة المغربية، في ما يشبه تبريراً ضمنياً للفعل الإجرامي عبر تحويل الأنظار عن جوهر القضية.
هذا النهج لا يكتفي بتشويه صورة المؤسسات الأمنية، بل يسهم في شرعنة الاستهداف الرقمي للمغرب، عبر تقديمه كصراع داخلي، لا كاعتداء خارجي موثق تقف خلفه شبكات معروفة بعدائها للمملكة.
محاولة دق إسفين بين الأمن والملكية
أحد أخطر أبعاد المقال يتمثل في محاولة إحداث شرخ مصطنع بين:
-
المؤسسة الأمنية
-
والمؤسسة الملكية
وهو خطاب لطالما شكّل محور الحملات العدائية الرقمية التي تستهدف المغرب، ويتم اليوم إعادة إنتاجه داخل صحيفة يفترض أنها مرجع في الصحافة الفرنسية.
هذا الأسلوب لا يخدم الحقيقة، بل يخدم أجندات تسعى إلى زعزعة الثقة في الدولة المغربية، عبر ضرب ركائزها السيادية ورموزها الدستورية.
سقوط مهني متكرر للإعلام الغربي
ما نشرته Le Monde ليس حالة معزولة، بل يندرج ضمن نمط متكرر يعكس أزمة أعمق في تعامل جزء من الإعلام الغربي مع المغرب، حيث يتم:
-
توظيف الصحافة كأداة ضغط سياسي
-
استبدال التحقيق بالتسريبات
-
تعويض الأدلة بالتخمينات
-
وتقديم الدعاية في شكل صحافة مستقلة
وهو ما يطرح أسئلة جدية حول معايير النزاهة والحياد التي تُرفع كشعارات، لكنها تسقط عند أول اختبار جيوسياسي.
بين حرية الصحافة والمسؤولية المهنية
لا أحد يجادل في حق الصحافة في النقد والتحقيق، لكن هذا الحق يفقد مشروعيته عندما يتحول إلى منصة لتصفية الحسابات، أو إلى غطاء لترويج روايات استخباراتية دون سند.
فحرية التعبير لا تعني:
-
تبييض الجرائم السيبرانية
-
ولا التشهير بالمؤسسات
-
ولا تبني سرديات صادرة عن منصات مجهولة الهوية والمصداقية
خلاصة
إن مقال Le Monde الأخير يمثل نموذجاً صارخاً لانزلاق الصحافة إلى البروباغندا، عندما يتعلق الأمر بالمغرب. فبدل البحث عن الحقيقة، جرى توظيف حادثة معزولة لبناء سردية عدائية جاهزة، تستهدف مؤسسات الدولة، وتغذي الشكوك، وتخدم أجندات معروفة.
وأمام هذا الواقع، يبقى الرهان على صحافة مسؤولة، تميز بين النقد المشروع والدعاية الموجهة، وتحترم ذكاء القارئ قبل أي اعتبار آخر.
