لوكاشينكو في الجزائر: شراكة استراتيجية أم مناورة دبلوماسية؟

 

لوكاشينكو في الجزائر: شراكة استراتيجية أم مناورة دبلوماسية؟
لوكاشينكو في الجزائر

زار الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو الجزائر رسمياً في الثاني والثالث من ديسمبر 2025، حيث التقى نظيره عبد المجيد تبون في محادثات رسمية وقّع الجانبان خلالها بياناً مشتركاً وعدداً من مذكرات التفاهم والاتفاقيات في مجالات اقتصادية وتقنية وعسكرية. الزيارة، التي ضمّت فعاليات رسمية وملتقىً لرجال الأعمال، جاءت في سياق الاحتفاء بالذكرى الثلاثين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وبمتابعة لأعمال اللجنة الحكومية المشتركة التي انعقدت في مينسك في أبريل 2025.

أعلن الجانبان خلال المحادثات عن نوايا لتعميق التعاون في قطاعات الزراعة والصحة والصناعات الميكانيكية والصيدلانية والطاقة والبحث العلمي، مع هدف طموح لرفع حجم التبادل التجاري إلى نحو 500 مليون دولار خلال السنوات المقبلة. كما اقترح لوكاشينكو مشروعاً مشتركاً لإنتاج الأسمدة بدعم من شركاء إقليميين، في محاولة لتعزيز التعاون الصناعي في أفريقيا. وقد شهدت الزيارة توقيع اتفاقيات بين وزارات دفاع وصناعية وتقنية، إضافة إلى نتائج إيجابية لملتقى رجال الأعمال المنعقد على هامش الزيارة. 

ما بين الشراكة والرمزية

المراقبون يرون في هذه الزيارة بُعدين متداخلين: بُعد عملي متمثلًا في اتفاقيات تعاون يمكن أن تفتح أسواقاً وفرص استثمارية للجانبين، وبُعد رمزي ودبلوماسي يهدف إلى إرسال رسائل سياسية إقليمية ودولية. مصادر رسمية أكدت حرص الجزائر على الاستفادة من التجربة البيلاروسية في بعض الصناعات، بينما أكد الطرف البيلاروسي استعداده للدخول في مشاريع اقتصادية طويلة الأمد. ومع ذلك، يثير واقع العقوبات الدولية المفروضة على مينسك منذ عقود تساؤلات حول قدرة تنفيذ بعض بنود التعاون بسرعة وفعالية، وهو ما قد يجعل من النتائج المعلنة في بعض جوانبها أقرب إلى خطاب سياسي منه إلى إنجاز فوري. 

البعد الإقليمي: الصحراء الغربية وقرار مجلس الأمن 2797

لم تبتعد الزيارة عن السياق الإقليمي الحساس، لا سيما ملف الصحراء الغربية. في أواخر أكتوبر 2025، تبنى مجلس الأمن قراراً مهمّاً (رقم 2797) جدد بموجبه ولاية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء (مينورسو) ودعا إلى التفاوض على أساس خطة الحكم الذاتي التي طرحتها المغرب، وهو ما فُسِّر على نطاق واسع بأنه انتصار دبلوماسي للمغرب ورفع منسوب الضغوط على الأطراف المدعوة للتسوية. هذا التحول في موقف مجلس الأمن أعاد تشكيل ميزان القوى الدبلوماسية في المنطقة وأثار ردود فعل متفاوتة لدى أطراف النزاع ومن خلفهم من الحلفاء الإقليميين. (Documents de l'ONU)

في هذا الإطار، قُدّرت زيارة لوكاشينكو من قبل بعض المحللين على أنها محاولة جزائرية لتوسيع شبكة التحالفات وإيجاد مواضع دعم دولية بديلة، أو على الأقل خلق "حركة دبلوماسية" توازن تحديداً بعد تحولات الأمم المتحدة الأخيرة. وفي الوقت نفسه، أعلنت الرئاسة الجزائرية عن موقف يدعو إلى حل سياسي عادل ومتوافق مع شرعية الأمم المتحدة، مع الحفاظ على دعم المبعوث الشخصي للأمين العام. 

دوافع التواصل مع جهات مؤثرة

تزامن الحدث مع تصريحات إعلامية أثارت جدلاً إقليمياً ودولياً، ومن بينها مقابلة نشرت في أكتوبر 2025 على برنامج "60 دقيقة" تطرقت إلى إمكانية تحقيق تسوية سريعة بين المغرب والجزائر داخل إطار دبلوماسي واسع، وهو ما أثار لاحقاً نقاشات في الأوساط الجزائرية حول الدور الأمريكي والوسائط المحتملة للتواصل. ثمة من فسّر زيارة لوكاشينكو جزئياً كمدخل لفتح قنوات غير مباشرة مع جهات فاعلة موسمية في واشنطن، خصوصاً مع وجود شخصيات أعمال ودبلوماسية تربطها علاقات متعددة الأطراف. ومع ذلك تبقى هذه التفسيرات تحليلات غير مؤكدة وتحتاج إلى دلائل إضافية. (CBS News)

رافعات إضافية: تقارب بيلاروسيا وإسرائيل

أثار إعلان استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين مينسك وتل أبيب في أوائل 2026 اهتمام المحللين، حيث اعتُبرت عودة حركة الطيران بين البلدين مؤشراً على تجدد قنوات التواصل الاقتصادي والدبلوماسي بين مينسك وتل أبيب بعد انقطاعها في 2022. رأى بعض المحللين أن أي تقارب إقليمي بين بيلاروسيا وإسرائيل قد يفتح بدوره أفقاً لتضافر مصالح دولية إقليمية تتقاطع مع ملفات شمال أفريقيا، غير أن الربط بين هذا التقارب وزيارة لوكاشينكو للجزائر يبقى افتراضياً إلى حين ظهور معطيات أو بيانات رسمية تربط هذه العناصر معاً. 

تقييم ميداني: بين المكاسب والمخاطر

تُظهر الوقائع أن الزيارة حققت أهدافها الرمزية في تأكيد مستوى العلاقات بين البلدين وفتح ملفات تعاون جديدة. لكن على أرض الواقع هناك عقبات تنفيذية قد تعرقل تحويل الاتفاقيات إلى مشاريع ملموسة بسرعة، أبرزها القيود الدولية المفروضة على بيلاروسيا والقدرة المالية والحكومية لتنفيذ المشاريع المتبادلة. علاوة على ذلك، فإن التحولات الدولية حول ملف الصحراء قد تفرض على الجزائر إعادة ترتيب أولوياتها الدبلوماسية والبحث عن مواقف تضمن مصالحها الاستراتيجية دون تفريط بمواقفها التاريخية. 

الخلاصة

زيــارة لوكاشينكو إلى الجزائر تمثّل محطة دبلوماسية ذات أبعاد اقتصادية وسياسية. هي من جهة محاولة لتعميق الشراكة الثنائية وتوسيع مجالات التعاون، ومن جهة أخرى استجابة لبيئة إقليمية متغيرة تتطلب من الجزائر تنويع تحالفاتها وتفعيل أدواتها الدبلوماسية. إلى أن تتضح نتائج هذه الاتفاقيات على أرض الواقع، سيبقى الغالب في قراءة الزيارة أنه مزيج من الطموح الاقتصادي والبحث عن رصيد دبلوماسي في وقت تتسارع فيه التحولات المحورية حول قضية الصحراء الغربية. نوصي بمتابعة تطورات تنفيذ الاتفاقيات ومواقف الأمم المتحدة والدول الكبرى لمعرفة ما إذا كانت هذه الزيارة ستنتج أثرًا عملياً أم ستظل رمزية في سجل العلاقات الدولية.


HASSAN BENYOUB
بواسطة : HASSAN BENYOUB
Maghrebcom مدونة إخبارية شاملة ترصد أبرز المستجدات في العالم العربي، المغرب العربي، الشرق الأوسط وإفريقيا، إضافة إلى أخبار التقنية، الرياضة، المشاهير والمرأة.
تعليقات