في خطوة مفصلية نحو إحلال السلام واستعادة الثقة بين الدولة والمجموعات المحلية، أعلنت جمهورية مالي يوم الأربعاء 3 ديسمبر 2025 عن انطلاق مرحلة جديدة من برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج والاندماج (DDR-I)، مع افتتاح مركز الاستقبال الإقليمي في ميناكا شمال شرق البلاد. وتأتي هذه الخطوة كامتداد للبرامج السابقة في سيغو وموبتي وكيدال، في إطار استراتيجية وطنية تهدف إلى إنهاء وجود السلاح خارج المؤسسات الرسمية، وتعزيز الوحدة الوطنية، ووضع حدٍّ لدورة النزاعات المسلّحة التي أنهكت المنطقة لسنوات.
افتتاح مركز ميناكا… خطوة تحمل رمزية وتجسّد الالتزام الوطني
معايير دقيقة للقبول وضمانات للشفافية
تعتمد السلطات المالية معايير صارمة لضمان مصداقية العملية، تشمل:
-
الانتماء إلى مجموعة مسلّحة معترف بها رسمياً
-
تقديم سلاح صالح عند التسجيل
-
عدم الارتباط بأي تنظيم إرهابي
-
التأهيل الصحي والجسدي للاندماج العسكري أو المهني
وبموجب البرنامج الجديد، تخطّط الدولة لدمج أكثر من ألفي مقاتل، حيث سيجتاز المؤهلون مساراً للتحقق والتكوين قبل إدماجهم كجنود من الدرجة الثانية داخل القوات المسلّحة المالية. أمّا غير المؤهلين للخدمة العسكرية، فسيوجَّهون إلى برامج مدنية تشمل التكوين المهني، والدعم المالي، وإعادة الإدماج الاجتماعي، بما يضمن لهم حياة كريمة ومستقرة.
أهمية ميناكا ودور الفصائل المسلحة في مكافحة الإرهاب
تُعتبر ميناكا إحدى أكثر المناطق حساسية في شمال شرق مالي، إذ شكّلت مسرحاً رئيسياً لنشاط الجماعات المسلحة منذ سنوات. وقد لعبت مجموعتا MSA وGATIA دوراً بارزاً في استعادة مناطق عدة من قبضة تنظيم داعش في الساحل، مستفيدة من معرفتها الدقيقة بالتضاريس وقدرتها على التعبئة الميدانية.
ورغم هذا الدور، تسعى الدولة اليوم إلى توحيد السلطة الأمنية عبر إنهاء حمل السلاح من قبل أي تنظيم خارج إطار الجيش الوطني، بما في ذلك الجماعات التي كانت متحالفة معه سابقاً. وقد عبّر العديد من المقاتلين المسجّلين في ميناكا عن رغبتهم في “ترك السلاح وبدء حياة جديدة”، مما يُعطي مؤشراً أولياً على نجاح جهود بناء الثقة.
توسّع جغرافي يؤسس لسلام مستدام
يمثّل مركز ميناكا محطة جديدة ضمن سلسلة نجاحات، بعد افتتاح مركز ماركالا في سيغو يوم 28 نوفمبر 2025، إلى جانب العمل الجاري في موبتي وكيدال. وتستعد الحكومة لإطلاق مراكز إضافية في تمبكتو، غاو، وتاودني خلال الأسابيع المقبلة، في إطار خطة وطنية شاملة تغطي المناطق الأكثر هشاشة أمنياً.
وتؤكد وزارة المصالحة أنّ البرنامج يتم تنفيذه ضمن معايير شفافة، مع متابعة دقيقة لضمان عدم استغلال العملية من قبل أي طرف، وحرص على أن تساهم إعادة الإدماج في ترسيخ السلم الأهلي والحدّ من عودة الجماعات المتطرفة.
دعم دولي وتوجه نحو استقرار أوسع في الساحل
يحظى برنامج DDR-I بدعم من شركاء مالي الإقليميين والدوليين، بما في ذلك الأمم المتحدة التي تعتبره خطوة أساسية نحو تنفيذ الالتزامات المنصوص عليها في قرارات مجلس الأمن. وتأتي هذه الجهود في وقت حساس لمنطقة الساحل، التي تواجه تحديات أمنية معقدة بفعل نشاط الجماعات الإرهابية وتداخل أزمات الحكم وضعف المؤسسات.
ويرى محللون أن نجاح هذه المرحلة في ميناكا قد يشكل نقطة تحول مهمة تسمح لمالي بتثبيت الاستقرار، وإطلاق دينامية اقتصادية واجتماعية تعيد الثقة بين الدولة والمجتمعات المحلية، وهو ما يُعدّ ضرورة ملحّة لإعادة بناء البلاد على أسس صلبة.
خاتمة
تُجسد مرحلة نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج في ميناكا خطوة نوعية نحو مستقبل أكثر أمناً في مالي، حيث تجمع بين الإرادة السياسية، والمشاركة المجتمعية، والدعم الدولي. ومع توسع البرنامج وازدياد عدد المسجّلين، تتعزّز فرص نجاح هذه العملية المعقّدة، التي يأمل الماليون أن تُمهّد الطريق لاستقرار طويل الأمد في واحدة من أكثر المناطق تضرراً في الساحل.
.jpg)