![]() |
| جو بايدن يلقي خطابًا ناريًا في عام 1989 |
خطاب بايدن من 1989 يعود للواجهة وسط انتقادات ديمقراطية لعمليات ترامب ضد مهربي المخدرات في الكاريبي، ما يكشف تناقضات عميقة في سياسة واشنطن الأمنية.
عاد الجدل في الولايات المتحدة ليشتعل مجددًا حول سياسة مكافحة المخدرات، بعد انتشار تسجيل قديم للرئيس الأمريكي السابق جو بايدن يعود إلى عام 1989، حين دعا إلى تشكيل «قوة هجوم دولية» ضد ما وصفه بـ«الإرهابيين المخدريين» الذين كان يرَون تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الأمريكي. يأتي هذا التسجيل في وقت يتعرض فيه الرئيس دونالد ترامب لانتقادات عنيفة من الديمقراطيين بسبب الضربات العسكرية التي ينفّذها ضد قوارب مشتبه بارتباطها بتهريب المخدرات في منطقة الكاريبي، ما يطرح أسئلة حادة حول التناقضات السياسية بين الماضي والحاضر داخل واشنطن.
خطاب بايدن 1989 يعود ليُشعل النقاش
وجاءت كلمة بايدن ردًا على خطاب الرئيس جورج بوش الأب حول تفشي وباء الكوكايين في المدن الأمريكية. وفي ذلك الوقت، كان الكراك كوكايين يجتاح البلاد بعنف، مسبّبًا ارتفاعًا مهولًا في الإدمان والجريمة. وقد اعتبر بايدن الأزمة حينها «التهديد رقم واحد للأمن القومي»، بل ذهب للقول إن أمريكا «تخوض حربًا على أرضها الخاصة… وتخسرها».
وينتشر اليوم هذا الفيديو القديم مُرفقًا بآلاف التعليقات التي ترى أن خطاب بايدن في الثمانينيات يشبه، إلى حد كبير، السياسات الأمنية التي يُتهم ترامب باعتمادها اليوم.
ضربات ترامب في الكاريبي: 22 هجومًا و87 قتيلًا
التسجيل عاد للواجهة بينما تواجه إدارة ترامب انتقادات شديدة بسبب 22 ضربة عسكرية نفذتها القوات الأمريكية منذ سبتمبر 2025 ضد قوارب مشتبه فيها بتهريب المخدرات من سواحل فنزويلا. وقد أسفرت هذه الضربات عن مقتل أكثر من 87 شخصًا، وفق تقارير إعلامية أمريكية.
العملية الأولى، في 2 سبتمبر 2025، أثارت صدمة واسعة بعد إطلاق صاروخ ثانٍ على ناجين كانوا يحاولون الصعود مجددًا إلى القارب، وهو ما وصفه ديمقراطيون بأنه «جريمة حرب». السيناتور الديمقراطي جاكي روزن قالت بوضوح: «إذا صحّت التقارير، فإن بيت هيغسيث قد ارتكب جريمة حرب بإصداره أمرًا غير قانوني».
في المقابل، دافع ترامب بقوة عن عملياته، معتبرًا أنها «ضرورية لحماية الشعب الأمريكي من السموم القاتلة»، ومؤكدًا أن عصابة «ترين دي أراگوا» وغيرها من منظمات المخدرات الفنزويلية باتت تُعامل كـ«منظمات إرهابية أجنبية» منذ يناير 2025.
انقسام حاد في الكونغرس: حرب أم جريمة؟
المواجهة السياسية بين الحزبين بلغت ذروتها عندما حاول الديمقراطيون تمرير مشروع قرار يمنع استخدام القوة العسكرية ضد منظمات تهريب المخدرات دون إذن من الكونغرس. إلا أن مشروع القرار سقط بفارق ضئيل (51-48)، ما أبقى الإدارة قادرة على مواصلة عملياتها العسكرية.
الجمهوري راند بول، المعروف بمواقفه غير التقليدية، فاجأ الجميع عندما انضم إلى الديمقراطيين، مؤكدًا أن «قتل الناجين في البحر عمل غير إنساني»، مضيفًا: «يبدو أنهم يتصرفون وكأن هؤلاء الناس ليسوا بشراً».
منظمات حقوق الإنسان، ومنها هيومن رايتس ووتش، وصفت الضربات بأنها «إعدامات خارج نطاق القضاء»، خاصة في ظل غياب الأدلة التي تثبت أن القوارب كانت تحمل مخدرات بالفعل. تقارير The Guardian نقلت شهادات من عائلات الضحايا تؤكد أن بعض القتلى كانوا صيادين مدنيين.
لكن في الجهة الأخرى، تصر إدارة ترامب والبنتاغون على أن كل العمليات «قانونية ومتوافقة مع القوانين الدولية»، وأن الهدف الأساسي هو «شلّ شبكات المخدرات المرتبطة بنظام مادورو».
تناقضات صارخة: بايدن يشبه ترامب… والديمقراطيون يدافعون عن النقيض
المفارقة التي أثارت الانتباه أن خطاب بايدن عام 1989 — الذي يدعو إلى حرب شاملة على تجار المخدرات — يبدو منسجمًا مع نهج ترامب أكثر مما هو مع الخطاب الديمقراطي الحالي.
ففي ذلك الوقت، طالب بايدن بزيادة ميزانية مكافحة المخدرات بـ1.5 مليار دولار، وزيادة الدعم العسكري لكولومبيا، وهي المقاربة نفسها تقريبًا التي يتبناها الجمهوريون اليوم.
وبينما ينتقد الديمقراطيون اليوم ضربات ترامب بوصفها «تصعيدًا غير قانوني»، تظهر تصريحات بايدن القديمة ميلًا واضحًا لدعم استراتيجية الحرب الهجومية ضد المخدرات.
هذا التناقض أصبح مادة دسمة للإعلام الأمريكي المحافظ، الذي اتهم الديمقراطيين بـ«ازدواجية المعايير».
حتى الآن، لم يرد مكتب بايدن على طلبات الصحافة للتعليق حول ما إذا كان الرئيس الحالي لا يزال يؤيد رؤيته القديمة.
تداعيات دولية… وقلق إقليمي متصاعد
تسبب التصعيد العسكري الأمريكي في توتر شديد مع حكومات أمريكا الجنوبية. فنزويلا وكولومبيا اتهمتا واشنطن بـ«عمليات قتل غير مشروعة»، فيما أوقفت بريطانيا — بحسب تقارير CNN — مشاركة معلومات استخباراتية حساسة مع الولايات المتحدة بعد تزايد الضربات.
من جهة أخرى، يحذر خبراء أمنيون من أن توسيع نطاق حرب المخدرات ليشمل استخدام القوة العسكرية ضد شبكات التهريب قد يدفع المنطقة إلى سباق تصعيد لا يمكن التنبؤ بنتائجه.
ويرى باحثون من كينغز كوليدج لندن أن محاولة إدارة ترامب ربط كارتلات المخدرات بتفويض استخدام القوة العسكرية لعام 2001 يشكل «سابقة خطيرة» قد تغيّر قواعد الاشتباك الأمريكية في الخارج لسنوات قادمة.
الخلاصة: شبح خطاب بايدن يعود ليخيم على السياسة الأمريكية
بين خطاب بايدن الهجومي في الثمانينيات، وعمليات ترامب العسكرية اليوم، يكشف المشهد الأمريكي عن تناقضات سياسية عميقة في كيفية التعامل مع «حرب المخدرات». فالخطر الحقيقي لا يزال قائمًا، مع تجاوز وفيات الفنتانيل حاجز 250 ألف وفاة منذ 2021، في حين يبقى الجدل محتدمًا حول ما إذا كانت واشنطن تقود حربًا من أجل الأمن… أم تصنع أزمة جديدة في الكاريبي.
