![]() |
| القفطان المغربي بالطرز الفاسي |
المغرب يشتكي الجزائر لدى اليونسكو بعد اعتراضات وُصفت بأنها مهينة على ملف تسجيل القفطان الفاسي ضمن التراث الثقافي غير المادي، وسط تصاعد النزاع الثقافي بين البلدين.
تصعيد دبلوماسي جديد بين المغرب والجزائر داخل أروقة اليونسكو
تشهد العلاقات المغربية الجزائرية فصلاً جديدًا من التوتر، وهذه المرة في ساحة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو. فقد تقدم المغرب بشكوى رسمية تتهم الجزائر باستخدام لغة مهينة وغير لائقة في اعتراضاتها على ملف "القفطان الفاسي" الذي رشحه المغرب ليتم إدراجه ضمن قائمة التراث الإنساني لعام 2025.
هذه الشكوى، التي تم توجيهها عبر رسالة رسمية من الوفد الدائم للمملكة المغربية لدى اليونسكو بتاريخ 9 يونيو 2025، اعتبرت أن بعض المصطلحات الواردة في اعتراضات الجزائر “لا تتماشى مع الأخلاقيات الدبلوماسية ولا مع المبادئ الأساسية لاتفاقية 2003 الخاصة بصون التراث الثقافي غير المادي”.
وتأتي هذه التطورات في سياق توترات ثقافية مستمرة بين المغرب والجزائر حول عدد من رموز التراث المغاربي مثل الزليج، القفطان، الكسكس، الراي، والفنون التقليدية، وهي ملفات تحولت إلى ساحة تنافس حاد داخل المؤسسات الدولية.
القفطان الفاسي… جذر التوتر الجديد
ملف "القفطان المغربي" وبشكل خاص القفطان الفاسي، هو أحد أهم الرموز التراثية التي يفتخر بها المغرب، ويعتبرها جزءًا من هويته الثقافية الممتدة لقرون. وقد عملت المملكة خلال السنوات الأخيرة على تعزيز حضور هذا الموروث داخل المنظمات الدولية، من خلال توثيق تقاليده وصناعته وأساليبه الفنية وتاريخه الذي ارتبط بمدينة فاس منذ العصور المرينية والسعدية.
لكن عند تقديم الملف لليونسكو، فوجئ المغرب باعتراضات من الجزائر شملت – حسب الخطاب المغربي – عبارات اعتبرتها المملكة مُهينة مثل:
-
"أولاد بوسبير"
-
"مملكة مراكش"
-
"روايات مُلفّقة حول أصل القفطان"
واعتبرت الرباط أن هذه المصطلحات لا علاقة لها بالنقاش العلمي أو التاريخي المطلوب في ملفات التراث الثقافي، بل تحمل "طابعًا استفزازيًا" يجب أن يبقى بعيدًا عن لغة المؤسسات الدولية.
ردود الفعل المغربية: "إساءة أخلاقية ومحاولة تشويه التراث المغربي"
وفق مصادر مغربية، فإن الشكوى تأتي دفاعًا عن المبادئ الأخلاقية لليونسكو، التي تُلزم الدول بعدم استخدام لغة عدائية أو مسيئة في الملفات الرسمية، خاصة المتعلقة بالتراث الثقافي غير المادي.
وتؤكد المملكة أن الجزائر سمحت بتمرير رسائل من "هيئات مدنية" جرى تبنيها رسميًا دون مراجعة، رغم احتوائها على لغة "تحقيرية" تسيء إلى الثقافة المغربية وإلى تاريخ مدينة فاس، المعروفة عالميًا بأنها مركز للعلم والحرف التقليدية.
كما ذكرت مصادر دبلوماسية أن الخطاب المغربي اعتبر أن تصرف الجزائر يشكل:
-
خرقًا لمبادئ اتفاقية 2003
-
استغلالًا غير مسؤول للمجتمع المدني
-
مساهمة في نشر التضليل الثقافي عبر قنوات رسمية
الجزائر: "ندافع عن التراث المغاربي المشترك"
من الجانب الجزائري، لا توجد إلى حد الآن ردود رسمية مباشرة على مضمون الشكوى، لكن الموقف العام الذي تعبر عنه الجزائر في مثل هذه الملفات هو أن التراث في منطقة المغرب الكبير مشترك ومتداخل، وأن بعض العناصر – مثل القفطان أو الزليج – تتقاسمها شعوب المنطقة.
غير أن المغرب يرى أن هذا "التداخل" لا يبرر تبني اعتراضات تستخدم عبارات غير لائقة أو تحمل انتقاصًا من الهوية المغربية.
اليونسكو بين البلدين: التوتر لا يوقف العمل الثقافي
تنص اتفاقية اليونسكو 2003 لصون التراث الثقافي غير المادي على:
-
تشجيع التعاون بين الدول
-
احترام الخصوصيات الثقافية
-
تجنب النزاعات أو استغلال الملفات لأغراض سياسية
-
ضمان مشاركة المجتمعات المحلية دون تحريض أو عداء
لكن الاتفاقية – ورغم أهميتها – لا تتضمن عقوبات مباشرة ضد الدول التي تستخدم لغة غير لائقة. ولذلك، من المرجح أن تتعامل اليونسكو مع الملف من خلال:
-
طلب توضيحات رسمية من الجزائر
-
حذف العبارات المسيئة من الاعتراضات
-
الدعوة إلى الحوار بين الدولتين
-
إحالة الموضوع للجنة الحكومية لصون التراث
ويعزز المغرب موقعه داخل المنظمة بعد انتخابه في نوفمبر 2025 عضوًا في المجلس التنفيذي لليونسكو للفترة 2025-2029، وهو ما يمنحه وزنًا إضافيًا في القضايا المتعلقة بالتراث.
خبراء: النزاع يعكس "حروب التراث" بين البلدين
يرى متخصصون في التراث الثقافي أن ما يجري بين المغرب والجزائر ليس حدثًا معزولًا، بل هو جزء من نزاع ثقافي ممتد يتداخل فيه التاريخ بالسياسة وبالهويتين الوطنيتين للبلدين. وأن هذه الصدامات غالبًا ما تتصاعد كلما ارتبط الأمر بعناصر تراثية ذات رمزية قوية، مثل:
-
القفطان
-
الزليج
-
الكسكس
-
المطبخ المغربي
-
الموسيقى الأندلسية
ويحذر بعض الخبراء من أن استمرار "حروب التراث" يضعف إمكانيات التعاون الإقليمي في مجال الثقافة، رغم أن المنطقة تزخر بإمكانات تاريخية ضخمة تؤهلها لتقديم ملفات مشتركة على غرار ملف الكسكس الذي تم تسجيله سنة 2020 بجهود أربع دول مغاربية.
خاتمة: بين صون التراث ومخاطر التصعيد
يبقى النزاع بين المغرب والجزائر حول التراث الثقافي غير المادي مرشحًا لمزيد من التعقيد، خصوصًا حين يتحول إلى سجالات لغوية ودبلوماسية داخل مؤسسات أممية مثل اليونسكو.
ومع ذلك، يرى مراقبون أن معالجة هذا النوع من الملفات عبر الحوار وبتعاون ثقافي صادق، قد تحول هذه الخلافات إلى فرصة لتعزيز الهوية المغاربية المشتركة بدلًا من تحويل التراث إلى ساحة صراع سياسي.
ومهما يكن، فإن القفطان الفاسي سيظل رمزًا من رموز الهوية المغربية، سواء داخل اليونسكو أو خارجها، فيما يبقى على الدول المغاربية أن تجد الطريق نحو التعاون بدل التصادم، حفاظًا على ذاكرة شعوب المنطقة ومكانتها الثقافية عالميًا.
