اجتماع لافروف وسيارتّو في موسكو يؤكد متانة التعاون الروسي المجري في الطاقة والتجارة رغم عقوبات الاتحاد الأوروبي، وتباينات الموقف حول حرب أوكرانيا.
اجتماع لافروف وسيارتّو في موسكو: تعاون روسي مجري يتحدى الضغوط الأوروبية
في مشهد دبلوماسي يعكس تحوّلات عميقة في العلاقات داخل القارة الأوروبية، عقد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره المجري بيتر سيارتّو اجتماعاً مهماً في موسكو يوم 9 ديسمبر 2025، ضمن أعمال الدورة السادسة عشرة للجنة الحكومية الروسية–المجرية للتعاون الاقتصادي. وجاء اللقاء في توقيت بالغ الحساسية، خصوصاً في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا وتفاقم التوتر بين موسكو والاتحاد الأوروبي، ما جعل أنظار العواصم الأوروبية تتجه نحو هذا الحدث الذي حمل رسائل سياسية واقتصادية متعددة.
تنفيذ اتفاقات بوتين وأوربان: محور اللقاء الأساسي
ركز الاجتماع على آليات تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان في 28 نوفمبر 2025، حيث شدّد الطرفان حينها على أولوية تعزيز الأمن الطاقي والتعاون الاقتصادي، خصوصاً مع تنامي الضغوط الأوروبية على بودابست لتقليص ارتباطها بمصادر الطاقة الروسية.
وأكد لافروف خلال اللقاء أنّ التبادل التجاري بين روسيا والمجر حقق نمواً ملحوظاً رغم العقوبات الأوروبية، مشيراً إلى أن ذلك يبرهن على "صلابة الشراكة الاقتصادية بين البلدين". وبرز قطاع الطاقة الكهربائية كأحد أهم الملفات المطروحة، إلى جانب التعاون في مجالات التكنولوجيا والصناعة والأدوية.
سيارتّو من جانبه كان واضحاً في رسالته: "سنواصل التعاون مع موسكو مهما كانت الضغوط الخارجية". هذا الموقف يعكس نهج بودابست البراغماتي، الذي يعتمد على استمرار واردات الغاز والنفط الروسية لتأمين احتياجات البلاد، إذ ما تزال روسيا توفر أكثر من 90% من حاجيات المجر الطاقية.
العلاقات التجارية تتحدى العقوبات
تُظهر البيانات الاقتصادية أن حجم التبادل التجاري بين البلدين تجاوز مليار دولار خلال 2025، حيث شكّلت الأدوية المجرية 50% من واردات روسيا من المجر، إلى جانب الآلات والمعدات البصرية. ويؤكد هذا الأداء الاقتصادي المتماسك أن العقوبات الأوروبية لم تنجح في تقليص العلاقات بين موسكو وبودابست، بل ربما عززت لدى الأخيرة قناعة بضرورة تنويع مسارات التعاون خارج الإطار الأوروبي التقليدي.
كما يشكل مشروع "باكس" النووي مثالاً على عمق هذا الارتباط، إذ تعتمد المجر بشكل كبير على التكنولوجيا الروسية في تشغيل وصيانة مفاعلاتها النووية، بينما تعمل شركة "روساتوم" الروسية على تشييد وحدات جديدة ضمن مشروع ضخم يتجاوز 14 مليار دولار.
أوكرانيا: ملف الخلاف الأكبر داخل أوروبا
كان الملف الأوكراني حاضراً بقوة في محادثات موسكو. وقد تبادل الطرفان وجهات النظر بشأن فرص إنهاء النزاع المستمر منذ 2022.
لافروف أكد أنّ روسيا مستعدة لدعم ترتيبات أمنية أوروبية شاملة تضمن مصالحها ومخاوفها الاستراتيجية، في حين عبّر سيارتّو عن دعم بلاده لما سماه "المفاوضات الروسية–الأميركية" باعتبارها الطريق الأكثر واقعية نحو السلام. ورأى أن الخطط الحالية تشكّل "بارقة أمل" وسط حالة الاستنزاف الاقتصادي الناتجة عن العقوبات.
لكن هذا الموقف المجري يصطدم بموقف الاتحاد الأوروبي الذي يربط أي مسار سياسي بالالتزام بدعم أوكرانيا عسكرياً وسياسياً، وهو ما يرفضه أوربان الذي سبق أن عرقل قرارات أوروبية تتعلق بتمويل كييف أو فرض عقوبات جديدة على موسكو.
المجر داخل الاتحاد الأوروبي: عضو مُربك لصفّ بروكسيل
يشكّل موقع المجر داخل الاتحاد الأوروبي والناتو نقطة حساسة، إذ تبدو بودابست أقرب إلى موسكو مقارنة بجيرانها الأوروبيين. وقد أدت هذه السياسات إلى مواقف متوترة خلال السنة الماضية، بما في ذلك إلغاء الرئيس البولندي كارول ناوروكي لقاءً مع أوربان عقب اجتماعه مع بوتين.
وتتعرض الحكومة المجرية لانتقادات دورية تتهمها بـ"تقويض وحدة الموقف الأوروبي" بشأن أوكرانيا، بينما ترد بودابست بأن أولويتها حماية مصالحها الوطنية، خصوصاً في قطاع الطاقة الذي يشكل عصب الاقتصاد المجري.
احتمالات لعب دور الوسيط
تطرح تقارير دولية إمكانية أن تلعب المجر دور "جسر سياسي" بين موسكو والغرب، خصوصاً أن أوربان عرض على بوتين استضافة قمة أميركية–روسية محتملة في بودابست إذا تهيأت الظروف السياسية لذلك. وقد أثارت هذه الخطوة اهتمام بعض الأطراف الغربية، لكنها أيضاً خلقت حساسية لدى دول تخشى أن يؤدي "الدور المجري" إلى إضعاف مسار دعم كييف.
بين الواقعية السياسية والاصطفاف الدولي
يمثل اجتماع لافروف وسيارتّو تعبيراً واضحاً عن سياسة بودابست الخارجية المبنية على الواقعية السياسية والمصلحة الوطنية، حتى لو اصطدمت بتوجهات الاتحاد الأوروبي. فمن وجهة نظر المجر، لا يمكن التخلي عن روسيا كمصدر طاقي موثوق ومزود رئيسي للغاز والنفط، كما لا يمكن تجاهل دور موسكو في أي تسوية مستقبلية للنزاع الأوكراني.
وفي المقابل، ترى روسيا في المجر "شريكاً أوروبياً نادراً" ما زال مستعداً للحوار والتعاون رغم العزلة الغربية المفروضة عليها، وهو ما يمنحها منفذاً مهماً داخل الاتحاد الأوروبي.
خلاصة
يؤكد اجتماع موسكو أنّ العلاقات الروسية–المجرية تسير عكس التيار الأوروبي، معتمدة على مصالح مشتركة في الطاقة والتجارة، ورؤية سياسية مختلفة تجاه الأزمة الأوكرانية. وبينما تسعى بودابست لتأكيد استقلال قرارها، تستغل موسكو هذا الانفتاح لتعزيز حضورها في أوروبا الوسطى.
ومع استمرار الحرب في أوكرانيا وتزايد الانقسام الأوروبي حول التعامل مع موسكو، يبدو أنّ دور المجر سيبقى محورياً وربما مثيراً للجدل في السنوات المقبلة، سواء في مسار الطاقة أو الدبلوماسية أو الأمن الإقليمي.
.jpg)