تشهد كوناكري مباحثات رفيعة المستوى بين رئيسي وزراء مالي وغينيا حول مشروع الربط السككي وفتح ممرات عبور جديدة نحو باماكو، في خطوة لتعزيز التجارة الإقليمية وتأمين مسارات لوجستية بديلة تدعم الاستقرار الاقتصادي والأمني بين البلدين.
في إطار زيارة العمل والصداقة التي يقوم بها رئيس وزراء مالي عبد الله ميغا إلى غينيا، عقد ميغا مساء 9 ديسمبر في كوناكري جلسة عمل موسّعة مع نظيره الغيني أمادو أوري باه، تركزت على مشاريع استراتيجية تُعد من الأكبر في تاريخ التعاون بين البلدين، وعلى رأسها مشروع الربط السككي وتحديث ممرات عبور البضائع نحو مالي.
مشاريع نقل عملاقة لإعادة رسم مسارات التجارة بين البلدين
الجلسة، التي جاءت مباشرة بعد وصول الوفد المالي رفيع المستوى، ناقشت مشروع الربط السككي بين مالي وغينيا بوصفه محوراً اقتصادياً وتنموياً أساسياً لربط باماكو بالموانئ المحاذية للمحيط الأطلسي. ووفق مصادر حكومية، بحث الطرفان آليات الانتقال من مرحلة الدراسات إلى التنفيذ الفعلي، بما يشمل الحلول المالية والتقنية اللازمة لإطلاق المشروع.
مالي شددت خلال الاجتماع على حاجتها لمسارات نقل بديلة تُخفّض تكاليف الشحن وتمنحها منفذاً مستقراً للمواد الأساسية، في ظل اضطرابات الإمدادات عبر المنافذ التقليدية. في المقابل، أكدت غينيا استعدادها لتهيئة ممرات لوجستية جديدة، وتخصيص فضاءات محيطة بالميناء لتسهيل عمليات التحميل والتفريغ وتسريع حركة التجارة.
فتح ممرات عبور جديدة من كوناكري إلى باماكو
وتطرّقت المباحثات إلى مشروع فتح ممرات تجارية جديدة تربط كوناكري بباماكو مروراً بسيغيري ومناطق حدودية أخرى، ما سيمنح مالي بديلاً حيوياً بعد سلسلة هجمات استهدفت خطوط الإمداد خلال الأشهر الماضية.
الخطة تتضمن تحسين الطرق الاستراتيجية، وتطوير نقاط عبور جديدة، وتجهيز المنافذ الحدودية بفرق أمنية ولوجستية مشتركة تضمن انسياب حركة الشاحنات بشكل آمن وسريع. وأكدت الحكومة الغينية التزامها الكامل بمواكبة هذا التوجه تعزيزاً للتعاون الاقتصادي والأمني.
تنظيم الترحال الرعوي… نحو نظام حدودي أكثر استقراراً
كما ناقش الوفدان وضع إطار تنظيمي للترحال الرعوي عبر حدود تمتد أكثر من 800 كيلومتر. وطرح الجانبان إجراءات تهدف إلى الحد من الاحتكاكات السنوية بين المكونات الاجتماعية في المناطق الحدودية، من بينها تحديد مسارات واضحة للقطعان، وضبط مواسم العبور، وتفعيل لجان محلية مشتركة للتدخل السريع وحل النزاعات.
تعاون إقليمي في ظرفية حساسة
زيارة ميغا تأتي في مرحلة إقليمية معقدة تواجه فيها مالي تحديات أمنية واقتصادية مرتبطة بنشاط الجماعات المسلحة والاضطرابات اللوجستية. وتُعد غينيا من أكثر الدول التي حافظت على موقف داعم لباماكو، خصوصاً خلال فترة العقوبات المفروضة عام 2022، حيث بقيت حدودها مفتوحة أمام حركة البضائع.
ويراهن البلدان حالياً على ممر كوناكري–باماكو باعتباره شرياناً تجارياً استراتيجياً، خصوصاً مع توجّه مالي لتوسيع منافذها البديلة نحو المحيط الأطلسي.
توافق سياسي ودفع نحو مرحلة تنفيذية جديدة
وعقب انتهاء جلسة العمل، عقد رئيسا الوزراء مؤتمراً صحفياً أكدا فيه متانة العلاقات الثنائية ورغبة مشتركة في إطلاق مشاريع عملية خلال الأشهر المقبلة. وأشاد ميغا بمواقف غينيا “الثابتة والداعمة”، فيما أكد باه أنّ “استقرار مالي جزء من أمن غينيا ومصالحها الحيوية”.
برنامج الزيارة شمل أيضاً لقاءً مع الرئيس الغيني مامادي دومبويا، حيث جرى تقييم شامل لمسار التعاون وتحديد مشاريع مستقبلية في مجالات النقل والطاقة والتجارة، وسط تأكيدات رسمية بوجود “أجواء تفاهم واسعة” ورغبة في الإسراع بتنفيذ الاتفاقات.
رسالة سياسية واقتصادية واضحة
اختُتمت الزيارة برسالة مفادها أنّ مالي وغينيا تتجهان نحو مرحلة أعمق من التكامل الإقليمي، عبر مشاريع استراتيجية قادرة على إعادة رسم خريطة العبور التجاري في غرب إفريقيا، وتعزيز أمن الحدود، وترسيخ شراكة تقوم على تاريخ مشترك وتقارب سياسي واقتصادي متنامٍ.
