المغرب ينضم مؤسساً لمجموعة أصدقاء الحوكمة العالمية بالأمم المتحدة، مبادرة صينية لتعزيز التعددية وتمثيل الجنوب العالمي وسط تحولات دولية متسارعة.
شهدت الدبلوماسية الدولية تطوراً لافتاً هذا الأسبوع بإعلان الصين انضمام المغرب كعضو مؤسس في "مجموعة أصدقاء الحوكمة العالمية"، وهي مبادرة جديدة انطلقت رسمياً في 9 ديسمبر 2025 بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، وتضم 43 دولة معظمها من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وتأتي هذه الخطوة في إطار سعي الصين إلى تفعيل مبادرة الحوكمة العالمية التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون في منتصف 2025.
المجموعة الجديدة، التي تُعرّف نفسها كائتلاف غير رسمي داخل الأمم المتحدة، تهدف إلى تعزيز نظام دولي قائم على التعددية، وسيادة الدول، والالتزام بالقانون الدولي، مع التركيز على معالجة تحديات التنمية لدى دول الجنوب. إعلان انضمام المغرب، كما جاء في بلاغ السفارة الصينية بالرباط، يمثل دعماً صريحاً لرؤية عالمية متعددة الأقطاب واستعداداً للانخراط في هندسة توازنات دولية جديدة.
ما هي مجموعة أصدقاء الحوكمة العالمية؟
تعد المجموعة منصة حوار وتنسيق بين الدول الأعضاء بهدف إصلاح منظومة الحوكمة العالمية لتصبح أكثر عدلاً وفعالية. وتستند في مرجعيتها إلى ركائز ترتكز على:
-
المساواة السيادية بين الدول
-
احترام القانون الدولي
-
دعم التعددية الحقيقية داخل الأمم المتحدة
-
تبني مقاربة تنموية شاملة
-
إعطاء الأولوية للدول الأقل نمواً
ويأتي تأسيسها تزامناً مع إحياء الأمم المتحدة لذكراها الثمانين، وسط إجماع دولي على الحاجة لإصلاح مؤسسات الحوكمة بما يعكس التحولات الجيوسياسية ووزن الدول النامية.
الدول المؤسسة وتركيبتها الجيوسياسية
تضم المجموعة 43 دولة، من بينها: الصين، المغرب، باكستان، كازاخستان، إيران، كوبا، فنزويلا، كوريا الشمالية، السنغال، كينيا، بوركينا فاسو، النيجر، موريتانيا، طاجيكستان، ماليزيا، أوزبكستان، جيبوتي، تشاد، أوغندا، زامبيا، زيمبابوي، نيكاراغوا، جزر سليمان، ساموا.
وتكشف اللائحة عن توجه نحو تعزيز حضور دول الجنوب العالمي، بما فيها دول تواجه ضغوطاً أو عقوبات غربية، ما يفتح النقاش حول ما إذا كانت المبادرة تسعى إلى خلق توازن مع النفوذ الغربي داخل الأمم المتحدة.
لماذا انضم المغرب إلى المبادرة؟
يأتي انضمام المغرب متماشياً مع السياسة الخارجية للمملكة، التي ترتكز على:
-
تعزيز الشراكات جنوب–جنوب
-
توسيع الحضور داخل الأمم المتحدة
-
تنويع التحالفات الدولية
-
تطوير علاقاته الاستراتيجية مع الصين
ويوفر هذا الانخراط للمغرب منصة جديدة للتأثير في ملفات إقليمية ودولية تهمه، مثل:
-
التنمية الاقتصادية في إفريقيا
-
قضايا الأمن والاستقرار الإقليمي
-
مكافحة التغير المناخي
-
إصلاح هياكل الأمم المتحدة
-
تعزيز المشاركة في النقاشات حول اقتصاد العولمة الجديد
كما يعزز مكانته كفاعل رئيسي في القارة الإفريقية وكمحور أساسي للتعاون بين آسيا وإفريقيا.
انعكاسات الخطوة على العلاقات المغربية الصينية
على مدى السنوات الماضية، تطورت العلاقات المغربية–الصينية في إطار "مبادرة الحزام والطريق"، حيث استثمرت الصين في مجالات البنية التحتية، الطاقات المتجددة، والصناعة. ويعتبر انضمام المغرب إلى هذه المجموعة خطوة إضافية لتعميق التعاون السياسي والدبلوماسي بين البلدين.
السفير الصيني بالرباط لي تشانغلين اعتبر الخطوة "محطة جديدة في التعاون الاستراتيجي"، مؤكداً أن المغرب يمتلك رؤية متقدمة تتماشى مع مبادئ التعددية وبناء نظام دولي أكثر توازناً.
المزايا المحتملة للمغرب داخل المجموعة
من المتوقع أن يحقق انخراط المملكة عدة مكاسب أهمها:
1. تعزيز الدور القيادي في إفريقيا
المجموعة تمنح المغرب مساحة لتقوية تأثيره في ملفات التنمية والتجارة والاستثمار بالقارة، خاصة عبر التقاطع مع مبادرات مثل "أجندة إفريقيا 2063" و"المنطقة القارية للتبادل الحر".
2. دعم الإصلاح داخل الأمم المتحدة
يسعى المغرب منذ سنوات إلى إصلاح مجلس الأمن وتوسيع تمثيل إفريقيا. الانضمام لهذه المجموعة قد يرفع من قوة الترافع المغربي داخل المنظمات الأممية.
3. توسيع شبكة التحالفات الدولية
العمل ضمن كتلة تضم دولاً آسيوية وإفريقية ولاتينية يعزز مكانة المغرب في عالم يشهد تنافساً حاداً بين القوى الكبرى.
4. تعميق العلاقات مع الصين
المبادرة قد تمكّن من إطلاق مشاريع جديدة في مجالات الاقتصاد الأخضر، التحول الرقمي، الأمن الغذائي، والصناعة.
انتقادات وتحذيرات من "تصدع داخل الأمم المتحدة"
ورغم الدعم الرسمي الذي حظيت به المبادرة لدى دول كثيرة، فإن الانضمام إليها أثار ردود فعل متباينة على الساحة الدولية.
انتقادات غربية ودعوات للحذر
محللون في مؤسسات بحثية غربية يرون أن المجموعة قد تؤدي إلى إنشاء هيكل موازٍ داخل الأمم المتحدة، ما قد يعمّق الانقسام بين الشرق والغرب. وتشير أصوات أخرى إلى أن التركيبة الحالية تشمل دولاً لها خلافات مع المعايير الغربية لحقوق الإنسان، مما قد يُستخدم في توسيع النفوذ الصيني.
تخوفات من انقسام داخل المنظمة الدولية
بعض المحللين حذروا من إمكانية ظهور "أمم متحدة داخل الأمم المتحدة"، في ظل التنافس الصيني–الأمريكي. فوفق تعليقات على منصات التواصل، يخشى البعض أن يؤدي ظهور الكتلة الجديدة إلى "انقسام ثنائي" داخل المنظمة الأممية.
هل يشكل الانضمام مخاطرة للمغرب؟
يضع انضمام المغرب الدبلوماسية المغربية أمام تحدي الحفاظ على علاقات قوية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الشريكين التقليديين للمملكة، دون إعطاء انطباع بالانحياز لطرف ضد آخر.
ومع ذلك، فإن السياسة المغربية غالباً ما تقوم على التوازن البرغماتي، مما قد يسمح لها بالاستفادة من المبادرة دون الدخول في صدامات جيوسياسية.
خلاصة: خطوة تعزز الحضور الدولي للمغرب
إن انضمام المغرب للمجموعة الجديدة يمثل تحولاً استراتيجياً في تعاطيه مع ديناميات الحوكمة العالمية، ويعكس رغبته في لعب دور أكبر في إعادة تشكيل النظام الدولي. ورغم الجدل المصاحب للمبادرة، فإنها تمنح المملكة فرصة لتعزيز شراكات جديدة، ورفع صوت الجنوب العالمي، وتطوير علاقات أكثر تنوعاً داخل الأمم المتحدة.
