إعلان استقلال القبائل من باريس يهز الجزائر سياسياً

 

إعلان استقلال القبائل من باريس يهز الجزائر سياسياً
قياديون من الماك بالبرلمان الفرنسي

حركة الماك تستعد لإعلان استقلال "جمهورية القبائل" من باريس في 14 ديسمبر 2025، ما يثير غضب الجزائر وسط اتهامات للمغرب ودعوات للتعبئة الأمنية. تفاصيل الخلفيات والتداعيات السياسية.

باريس – تقرير خاص

تشهد الساحة السياسية الجزائرية حالة غير مسبوقة من التوتر بعد إعلان حركة الماك (حركة التحرر الذاتي للقبائل) استعدادها لإعلان قيام جمهورية القبائل في 14 ديسمبر 2025 من العاصمة الفرنسية باريس. وتأتي هذه الخطوة، التي يعتبرها البعض "أخطر تهديد لوحدة الجزائر منذ الاستقلال"، في ظل تصعيد إعلامي وسياسي بين الجزائر والمغرب، إذ تتهم الجزائر الرباط بدعم الحركة القبايلية الساعية للانفصال.

الحركة، التي يقودها المعارض الأمازيغي المقيم في فرنسا فرحات مهني، تؤكد أن إعلان الدولة القبايلية سيجري في قاعة برلمانية بالعاصمة الفرنسية، بحضور حكومة القبائل في المنفى وعدد من الشخصيات الداعمة للهوية الأمازيغية.


حركة الماك: تاريخ من الاحتجاج والمنفى

تعود جذور حركة الماك إلى أحداث الربيع الأسود سنة 2001، حين قُتل أكثر من 120 شاباً من منطقة القبائل على يد قوات الأمن الجزائرية خلال مظاهرات واسعة ضد التمييز والقمع، وفق تقارير منظمات دولية. هذه الأحداث دفعت الفنان والناشط السياسي فرحات مهني إلى تأسيس الحركة بهدف الدفاع عن حقوق الأمازيغ في منطقة القبائل.

وبعد تضييقات أمنية واسعة وتهديدات بالاعتقال، انتقل مهني إلى فرنسا حيث أسس سنة 2010 الحكومة المؤقتة للقبائل في المنفى (ANAVAD). ومنذ ذلك الحين، أصبحت باريس المركز الرئيسي لأنشطة الحركة، بما في ذلك الاتصالات الدبلوماسية، الحملات الإعلامية، واللقاءات مع الجاليات الأمازيغية في أوروبا.


أنشطة الحركة في فرنسا: إعلام، احتجاجات، وتحركات سياسية

تتمتع حركة الماك بحضور مؤثر داخل الجالية الأمازيغية بفرنسا، حيث تُنظم فعاليات أسبوعية في شوارع باريس مطالبة بـ"الاستقلال" و"وقف القمع في القبائل". كما تستغل الحركة منصات إعلامية مثل Siwel Info وKabylia Today لتوجيه رسائلها السياسية، إضافة إلى حملات رقمية واسعة على منصة X (تويتر سابقاً).

في أكتوبر ونوفمبر 2025، عقدت الحركة عدة مؤتمرات في باريس شارك فيها مئات النشطاء، ناقشت خلالها "خارطة طريق الاستقلال"، وطرق التصعيد السياسي تجاه النظام الجزائري. صفحات موالية للحركة نشرت دعوات مكثفة لحضور الإعلان الرسمي يوم 14 ديسمبر، معتبرة أن هذا التاريخ "سيغير مستقبل الأمازيغ في الجزائر".


الإعلان المرتقب: جمهورية القبائل من باريس

وفق بيانات الحركة، سيتم إعلان استقلال "جمهورية القبائل" خلال مراسم رسمية بباريس، تتضمن خطاباً لفرحات مهني وإعلان "ميثاق الدولة الجديدة". وتُخطط الماك لتنظيم استفتاء شعبي داخل منطقة القبائل خلال 2026، يؤكد "حق تقرير المصير" للأمة القبايلية.

اختيار باريس ليس صدفة، إذ تؤكد الحركة أن فرنسا "أكثر الدول التي تحتضن مشروع القبائل"، بينما يعتبر الإعلام الجزائري ذلك "امتداداً للإرث الاستعماري" ومحاولة فرنسية لإضعاف الجزائر.


الجزائر ترد: اتهامات للمغرب وتحركات أمنية في القبائل

مع اقتراب موعد الإعلان، صعّدت السلطات الجزائرية خطابها تجاه الحركة. ووصفت الماك بـ“المنظمة الإرهابية” منذ 2021، مؤكدة أن “أي حديث عن استقلال القبائل هو مساس خطير بالأمن القومي”.

وتتهم الجزائر المغرب بالوقوف وراء دعم الماك، خاصة بعد تصريحات دبلوماسية مغربية سنة 2021 دافعت عن "حق القبائل في تقرير المصير"، مما أدى إلى قطع العلاقات بين البلدين. وعلى الرغم من نفي الرباط الرسمي لأي دعم للحركة، لا تزال الجزائر تعتبر الماك "أداة مغربية" للضغط عليها في ملف الصحراء.

تشير تقارير إعلامية جزائرية إلى إرسال أكثر من 50 ألف جندي إضافي إلى مناطق القبائل تحسباً لاحتجاجات أو “محاولات انفصالية”، وسط حملة اعتقالات واسعة شملت ناشطين محليين منذ أغسطس 2025.


الدعم الدولي: مواقف متباينة وحساسية فرنسية

تحاول حركة الماك كسب الشرعية الدولية عبر لقاءات مع نواب فرنسيين وأوروبيين. ففي مايو 2025، استقبل نواب فرنسيون حكومة القبائل في إحدى قاعات البرلمان، في خطوة أثارت غضب الجزائر.

منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش وفريدم هاوس انتقدت سياسات الحكومة الجزائرية تجاه القبائل، معتبرة أنها "تحد من حرية التعبير والهوية الثقافية". إلا أن هذه المنظمات لم تعلن دعمها للاستقلال، لأنها تلتزم بعدم مساندة الحركات الانفصالية إلا في حالات الإبادة أو الاحتلال العسكري.


هل تملك الماك قاعدة شعبية في القبائل؟

لا يزال الدعم داخل منطقة القبائل موضوعاً جدلياً.
وفق مصادر محلية:

  • الحركة تحظى بتعاطف معتبر وسط الشباب والطبقة المثقفة

  • لكنها تواجه معارضة من فئات أخرى ترى أن الاستقلال "مغامرة محفوفة بالمخاطر"

  • القمع الأمني يمنع قياس حجم الدعم الحقيقي

الجزائر الرسمي تعتبر الحركة "معزولة"، بينما بيانات الحركة تؤكد أن "آلاف القبايليين" سيدعمون إعلان الاستقلال.


التداعيات المحتملة على استقرار الجزائر والمنطقة

إعلان استقلال القبائل من باريس يُعد سابقة خطيرة في شمال إفريقيا، فنجاح الحركة - أو فشلها - سيترك آثاراً عميقة:

أولاً: على الجزائر

  • تصعيد أمني واسع في ولايات تيزي وزو وبجاية

  • احتمالية اعتقالات جماعية

  • مخاوف من انتقال عدوى الانفصال لمناطق أخرى

ثانياً: على العلاقات المغربية الجزائرية

  • اتساع الشرخ السياسي

  • زيادة الحملات الإعلامية المتبادلة

  • استغلال ملف القبائل مقابل ملف الصحراء

ثالثاً: على فرنسا

  • اتهامات بالتدخل في الشؤون الجزائرية

  • ارتباك دبلوماسي بين الجزائر وباريس


خلاصة

يُشكل إعلان حركة الماك استقلال "جمهورية القبائل" لحظة فارقة في تاريخ الجزائر الحديث. وبين اتهامات الجزائر ودعم الجاليات القبايلية في أوروبا والتحركات الفرنسية الغامضة، تبدو المنطقة مقبلة على فصل جديد من الصراع السياسي والهوياتي.

يبقى السؤال: هل سيُحدث 14 ديسمبر 2025 تحولاً تاريخياً في علاقة القبائل بالدولة الجزائرية؟ أم أنه مجرد حدث رمزي دون أثر فعلي؟
الجواب ستحدده الأيام المقبلة، بين جبال تيزي وزو وشوارع باريس.

HASSAN BENYOUB
بواسطة : HASSAN BENYOUB
Maghrebcom مدونة إخبارية شاملة ترصد أبرز المستجدات في العالم العربي، المغرب العربي، الشرق الأوسط وإفريقيا، إضافة إلى أخبار التقنية، الرياضة، المشاهير والمرأة.
تعليقات